الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير ابن عبد السلام ***
{حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)} {اسْتَيْئَسَ} من تصديق قومهم «ع»، أو من تعذيبهم «م». {وَظَنُّواْ} ظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم «ع»، أو تيقن الرسل أن قومهم قد كَذَبوهم {جَآءَهُمْ نَصْرُنَا} جاء الرسل نصر الله، أو جاء قومهم عذاب الله «ع» {فَنُجِّىَ} الأنبياء ومن آمن معهم. {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)} {قَصَصِهِمْ} قصص يوسف وإخوته اعتبار للعقلاء بنقل يوسف من الجب والسجن والذل والرق إلى العز والملك والنبوة فالذي فعل ذلك قادر على نصر محمد صلى الله عليه وسلم وإعزاز دينه وإهلاك عدوه. {مَا كَانَ} القرآن {حَدِيثاً} يُختلق {وَلكِن تَصْدِيقَ الَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ} من التوراة والإنجيل وسائر الكتب، أو ما كان القصص المذكور حديثاً يُختلق ولكن تصديق الذي بين يديه من الكتب. {المر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (1)} {ءَايَاتُ الْكِتَابِ} الزبور، أو التوراة والإنجيل، أو القرآن. {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)} {بِغَيْرِ عَمَدٍ} لها عمد لا ترى «ع»، أو لا عمد لها. {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3)} {رَوَاسِىَ} جبالاً ثوابت، واحدها راسية لأن الأرض ترسو بها {وَأَنْهَاراً} ينتفع بها شرباً وإنباتاً ومغيضاً للأمطار ومسالك للفلك {زَوْجَيْنِ اثْنَيِنِ} أحدهما ذكر وانثى كفحال النخل وإناثها، وكذلك كل النبات وإن خفي. والزوج الأخر حلو وحامض، أو عذب وملح، أو أبيض وأسود، أو أحمر وأصفر فإن كل جنس من الثمار نوعان فكل ثمرة ذات نوعين زوجين فصارت أربعة أنواع {يُغشي} ظلمة الليل ضوء النهار، ويغشي ضوء النهار ظلمة الليل. {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)} {مُّتَجَاوِرَاتٌ} في المدى مختلفات عَذِية تنبت وسبخة لا تنبت {صِنْوَانٌ} مجتمع وغيره مفترق، أو صنوان نخلات أصلها واحد وغيرها أصولها شتى، أو الصنوان الأشكال وغيره المختلف، أو الصنوان الفسيل يقطع من أمهاته فهو معروف وغيره ما ينبت من النوى فهو مجهول حتى يعرف، وأصل النخل الغريب من هذا. {وَنُفَضِّلُ} فمنه الحلو والحامض والأحمر والأصفر القليل والكثير {إِنَّ فِى} اختلافها {لأَيَاتٍ} على عظم قدرته. أو ضربه مثلاُ لبني آدم أصلهم واحد واختلفوا في الخير والشر والإيمان والكفر كالثمار المسقية بماء واحد «ح». {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (5)} {وَإن تَعْجَبْ} من تكذيبهم لك فأعجب منه تكذيبهم بالبعث، ذكر ذلك ليعجب رسوله صلى الله عليه وسلم والتعجب تغير النفس بما خفيت أسبابه ولا يجوز ذلك على الله عز وجل. {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (6)} {بِالسَّيِّئَةِ} بالعقوبة قبل العافية، أو الشر قبل الخير، أو الكفر قبل الإجابة {الْمَثُلاتُ} الأمثال المضروبة لمن تقدم، أو العقوبات التي مثل الله بها من مضى من الأمم. وهي جمع مثلة {عَلَى ظُلْمِهِمْ} يغفر الظالم السالف للتوبة في المستأنف، أو يعفو عن تعجيل العذاب مع ظلمهم بتعجيل العصيان، أو يغفر لهم بالإنظار توقعاً للتوبة، ولما نزلت قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «لولا عفو الله وتجاوزه ما هنأ أحداً العيش، ولولا وعيده عقابه لاتكل كل أحد». {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7)} {هَادٍ} الله «ع»، أو نبي، أو قادة، أو دعاة، أو عمل، أو سابق يسبقهم إلى الهدى. {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8)} {مَا تَحْمِلُ} من ذكر أو أنثى {وَمَا تَغِيَضُ} بالسقط الناقص. {وَمَا تَزْدَادُ} بالولد التام «ع»، أو بالوضع لأقل من تسعة أشهر {وَمَا تَزْدَادُ} بالوضع لأكثر من التسعة، قال الضحاك حملتني أمي سنتين ووضعتني وقد خرجت سني، أو بانقطاع الحيض مدة الحمل غذاء للولد {وَمَا تَزْدَادُ} بدم النفاس بعد الوضع، أو بظهور الحيض على الحمل، لأنه ينقص الولد {وَمَا تَزْدَادُ} في مقابلة أيام الحيض من أيام الحمل، لأنها كلما حاضت على حملها يوماً زادت في طهرها يوماً حتى يستكمل حملها تسعة أشهر طهراً قاله عكرمة وقتادة {وَكُلُّ شَىْءٍ} من الرزق والأجل {عِندَهُ بِمِقْدَارٍ}. {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10)} {سَوَآءٌ مِّنكُم} في علمه {مَّنْ أَسَرَّ} خيراً أو شراً، أو جهر بهما {مُسْتَخْفِ} بعمله في ظلمة الليل ومن أظهره بضوء النهار، أو يرى ما أخفاه الليل كما يرى ما أظهره النهار، والسارب: المنصرف الذاهب، من السارب في المرعى وهو بالعشي، والروح بالغداة. {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)} {مُعَقِّبَاتٌ} ملاكة الليل والنهار يتعاقبون صعوداً ونزولاً، اثنان بالنهار واثنان بالليل يجتمعون عند صلاة الفجر، أو حراس الأمراء يتعاقبون الحرس «ع» أو ما يتعاقب من أوامر الله وقضائه في عبادة {مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} أمامه وورائه، أو هداه وضلاله. {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} بأمر الله، أو تقديره معقبات من أمر الله يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، أو معاقبته من الحرس يحفظونه عند نفسه من أمر الله ولا راد لأمره ولا دافع لقضائه «ع»، أو يحفظونه حتى يأتي أمر الله فيكفوا «ع»، أو أمر الله: الجن والهوام المؤذي تحفظه الملائكة منه ما لم يأتِ قدر، أو يحفظونه من أمر الله وهو الموت ما لم يأتِ أجل وهي عامة في جميع الخلائق عند الجمهور، أو خاصة في الرسول صلى الله عليه وسلم لما أزمع عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة على قتله فمنعه الله تعالى ونزلت {سُوءًا} عذاباً {وَالٍ} ملجأ، أو ناصر. {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12)} {خَوْفاً} من صواعقه {وَطَمَعاً} في نزول غيثه، أو خوفاً للمسافر من أذيته وطمعاً للمقيم في بركته. {الثِّقَالَ} بالماء. {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13)} {الرَّعْدُ} الصوت المسموع، أو ملك والصوت المسموع تسبيحه {خِيفَتِهِ} الضمير لله تعالى، أو للرعد، {الصَّوَاعِقَ} نزلت في رجل أنكر القرآن وكذب الرسول صلى الله عليه وسلم فأخذته صاعقة، أو في أربد لما هم بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم مع عامر بن الطفيل فيبست يده على سيفه ثم انصرف فأحرقته صاعقة فقال أخوه لبيد: أخشى على أربد الحتوف ولا *** أرهب نوء السِّماكِ والأسد فجعني البرق والصواعق بالفا *** رس يوم الكريهة النَجُد أو نزلت في يهودي قال للرسول صلى الله عليه وسلم أخبرني عن ربك من أي شيء هو من لؤلؤ أو ياقوت فجاءت صاعقة فأحرقته «ع» {يُجَادِلُونَ} قول اليهودي، أو جدال أربد لما همَّ بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم {الْمِحَالِ} العداوة «ع»، أو الحقد «ح»، أو القوة «م» أو الغضب أو الحيلة أو الحول «ع»، أو الهلاك بالمَحْل وهو القحط «ح»، أو الأخذ أو الأنتقام. {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (14)} {دَعْوَةُ الْحَقِّ} لا إله إلا الله «ع»، أو الله هو الحق فدعاؤه دعوة الحق، أو الإخلاص في الدعاء {لا يَسْتَجِيبُونَ} لا يجيبون دعاءهم ولا يسمعون نداءهم والعرب يمثلون كل من سعى فيما لا يدركه بالقابض على الماء قال: فأصبحت مما كان بيني وبينها *** من الود مثل القابض الماء باليد {كَبَاسِطِ} الظمآن يدعو الماء ليبلغ إلى فيه، أو يرى خياله في الماء وقد بسط كفيه فيه {لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ} لكذب ظنه وسوء توهمه «ع»، أو كباسط كفيه ليقبض عليه فلا يحصل في كفه منه شيء. {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (15)} {طَوْعاً} المؤمن {وَكَرْهاً} الكافر، أو طوعاً من أسلم راغباً وكرهاً من أسلم بالسيف راهباً {وَظِلالُهُم} يسجد ظل المؤمن معه طائعاً وظل الكافر كارهاً. {وَالأَصَالِ} جمع أُصُل وأُصُل جمع أصيل وهو العشي ما بين العصر والمغرب. {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)} {لا يَمْلِكُونَ} إذ لم يملكوا لأنفسهم جلب نفع ولا دفع ضر فأولى أن لا يملكوا ذلك لغيرهم. {الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} المؤمن والكافر {الظُّلُمَاتُ وَالْنُّورُ} الضلالة والهدى {فَتَشَابَهَ} لما لم تخلق آلهتهم خلقاً يشبته عليهم بخلق الله فلِمَ اشتبه عليهم حتى عبدوها كعبابدة الله؟ {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17)} {بِقَدَرِهَا} الكبير بقدره والصغير بقدره {رَّابِياً} مرتفعاً {حِلْيَةٍ} الذهب والفضة {أو مَتَاعٍ} الصفر والنحاس. {زَبَدٌ} خبث كزبد الماء الذي لا ينتفع به {جُفَآءً} منتشفاً، أو جافياً على وجه الأرض، أو ممحقاً ومن قرأ {جُفالاً} أخذه من قولهم: انجفلت القدر إذا قذفت بزبدها. شبه الله تعالى الحق بالماء وما خلص من المعادن فإنهما يبقيان للانتفاع بهما، وشبه الباطل بزبد الماء وخبث الحديد الذاهبين غير منتفع بهما. {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18)} {الْحُسْنَى} الحياة والرزق، أو الجنة مروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم {سُوءُ الْحِسَابِ} المؤاخذة بكل ذنب فلا يعفى عن شيء من ذنوبهم، أو المناقشة بالأعمال، أو التقريع والتوبيخ عند الحساب. {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21)} {مَآ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ} الرحم {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} في قطعها {وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} في المعاقبة عليها. أو الإيمان بالنبيين والكتب كلها {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} فيما أمرهم بوصله {وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} في تركه، أو صلة محمد صلى الله عليه وسلم قاله «ح». {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22)} {بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} يدفعون المنكر بالمعروف، أو الشر بالخير، أو سفاهة الجاهل بالحلم، أو الذنب بالتوبة، أو المعصية بالطاعة. {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)} {بِمَا صَبَرْتُمْ} على الفقر، أو الجهاد في سبيل الله، أو على ملازمة الطاعة وترك المعصية، أو عن فضول الدنيا، أو عما تحبونه حين فقدتموه {فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} الجنة عن الدنيا، أو الجنة من النار. {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (26)} {مَتَاعٌ} قليل ذاهب، أو كزاد الراكب. {الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)} {بِذِكْرِ اللَّهِ} بأفواههم، أو بنعمه عليهم، أو بوعده لهم، أو بالقرآن. {الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآَبٍ (29)} {طُوبَى} اسم للجنة، أو لشجرة فيها، أو اسم الجنة بالحبشية، أو حسنى لهم، أو نعم ما لهم، أو خير، أو غبطة، أو فرح وقرة عين «ع»، أو العيش الطيب، أو طوبى فُعلى من الطيب كالفُضلى من الأفضل. {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30)} {بِالرَّحْمَنِ} لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم بالحديبية للكاتب: «اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم»، قالوا ما ندري ما الرحمن، ولكن اكتب باسمك اللهم، أو قالوا بلغنا أن الذي يعلمك ما تقول رجل من أهل اليمامة يقال له الرحمن وإنا والله لن نؤمن به أبداً فنزلت {لآ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} وإن اختلفت أسماؤه فهو واحد {مَتَابِ} توبتي. {وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31)} {وَلَوْ أَنَّ قُرْءَاناً} لما قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم إنْ سَرَّك أن نتبعك فسير جبالنا تتسع أرضنا فإنها ضيقة، وقرب لنا الشام فإنا نتجر إليها، وأخرج لنا الموتى من القبور نكلمهم، أنزلها الله تعالى {سُيّرَتْ} أخرت {قُطِّعَتْ} قربت {كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} أحيوا، جوابه: «لكان هذا القرآن» فحُذف للعلم به {يَاْيْئَسِ الَّذِينَ ءَامَنُواْ} من إيمان هؤلاء المشركين، أو من حصول ما سألوه لأنهم لما طلبوا ذلك اشرأب المسلمون إليه «ع»، أو ييأس: يعلم، قال: ألم ييأس الأقوام أني أنا ابنه *** وإن كنت عن أرض العشيرة نائياً أو ييأس قبل هي لغة جرهم. {لَهَدَى النَّاسَ} إلى الإيمان، أو الجنة {قَارِعَةٌ} تقرعهم من العذاب والبلاء، أو سرايا الرسول صلى الله عليه وسلم {أَوْ تَحُلُّ} أنت يا محمد «ع»، أو القارعة {وَعْدُ اللَّهِ} القيامة، أو فتح مكة «ع». {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33)} {بِظَاهِرِ} بباطل، أو ظن، أو كذب، أو بالقرآن قاله السدي. {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35)} {مَّثَلُ الْجَنَّةِ} شبهها أو نعتها إذ لا مثل لها {أُكُلُهَا دَآئِمٌ} ثمرتها لا تنقطع، أو لذتها في الأفواه باقية قاله إبراهيم التيمي. {وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآَبِ (36)} {وَالَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} الصحابة، أو مؤمنو أهل الكتاب، أو اليهود والنصارى فرحوا بما في القرآن من تصديق كتبهم. {مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ} قريش، أو اليهود والنصارى والمجوس {بَعْضَهُ} عرفوا صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وأنكروا تصديقه، أو عرفوا نعته وأنكروا نبوته. {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38)} {أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةْ} أي هم كسائر البشر فلِمَ أنكروا نبوتك وأنت كمن تقدم، أو نهاه بذلك عن التبتل، أو عاب اليهود الرسول صلى الله عليه وسلم بكثرة الأزواج فأخبرهم بأن ذلك سنة الرسل عليه الصلاة والسلام {أَن يَأَتِىَ بِآيَةٍ} لما سألت قريش تسيير الجبال وغير ذلك نزلت. {لِكُلِّ أَجَلِ} لكل قضاء قضاه الله تعالى {كِتَابٌ} كتبه فيه، أو لكل أجل من آجال الخلق كتاب عن الله، أو لكل كتاب نزل من السماء أجل على التقديم والتأخير. {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)} أم الكتاب - {يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَآءُ} من أمور الخلق فيغيرها إلا الشقاء والسعادة فإنهما لا يغيران «ع»، أو له كتابان أحدهما أم الكتاب لا يمحو منه شيئاً، والثاني يمحو منه ما يشاء ويثبت كلما أراد أن ينسخ ما يشاء من أحكام كتابه ويثبت ما يشاء فلا ينسخه، أو يمحو ما جاء أجله ويثبت من لم يأت أجله، أو يمحو ما يشاء من الذنوب بالمغفرة ويثبت ما يشاء فلا يغفره، أو يختم للرجل بالشقاء فيمحو ما سلف من طاعته أو يمحو بخاتمته من السعادة ما تقدم من معصيته «ع» ( أم الكتاب)} حلاله وحرامه، أو جملة الكتاب، أو علم الله تعالى بما خلق وما هو خالق، أو الذكر «ع» أو الكتاب الذي لا يبدل، أو أصل الكتاب في اللوح المحفوظ. {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41)} {نَنقُصُهَا} بالفتوح على المسلمين من بلاد المشركين، أو بخرابها بعد عمارتها، أو بنقصان بركتها وبمحيق ثمرتها أو بموت فقهائها وخيارها «ع». {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)} {شَهِيداً} بصدقي وكذبكم. {وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} ابن سلام وسلمان وتميم الداري، أو جبريل عليه السلام، أو الله عز وجل عن الحسن رضي الله تعالى عنه وكان يقرأ {وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} ويقول: «هذه السورة مكية وهؤلاء أسلموا بالمدينة». {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)} {الظُّلُمَاتِ} الضلالة والكفر، و{النُّورِ} الإيمان والهدى {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} بأمره. آمن بعيسى قوم وكفر به آخرون فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم آمن به من كفر بعيسى وكفر به الذين آمنوا بعيسى فنزلت «ع». {الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (3)} {يَسْتَحِبُّونَ} يختارون، أو يستبدلون {سَبِيلِ اللَّهِ} دينه {وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً} العوج بالكسر في الأرض والدين وكل ما لم يكن قائماً وبالفتح كل ما كان قائماً كالرمح والحائظ. {وَيَبْغُونَهَا} يرجون بمكة ديناً غير الإسلام «ع»، أو يقصدون بمحمد صلى الله عليه وسلم هلاكاً. {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)} {بَآَيَاتِنَآ} التسع، أو بالحجج والبراهين {وَذَكِّرْهُم} عظهم بما سلف لهم في الأيام الماضية، أو بالأيام التي انتقم فيها بالقرون الأول، أو بنعم الله لأنها تُسمى بالأيام. وأيام لنا غر طوال ***..................... {صَبَّارٍ شَكُورٍ} كثير الصبر والشكر إذا ابتُلي صبر وإذا أعطي شكر، وأخذ الشعبي من هذه الآية أن الصبر نصف الإيمان والشكر نصفه. {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6)} {بَلآءٌ} نعمة «ع»، أو شدة بلية، أو اختبار وامتحان. {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)} {تَأَذَّنَ} قال، أو أعلم {شَكَرْتُمْ} نعمتي {لأَزِيدَنَّكُمْ} من أفضالي أو طاعتي «ح». {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9)} {بِالْبَيِّنَاتِ} الحجج. {فَرَدُّواْ} عضوا الأصابع غيظاً على الرسل، أو كذبوهم بأفواهم، أو عجبوا لما سمعوا كتاب الله تعالى ووضعوا أيديهم في أفواهم «ع»، أو أشاروا بذلك إلى رسولهم لما أدعى الرسالة بأن يسكت تكذيباً له ورداً لقوله، أو وضعوا أيديهم على أفواه الرسل رداً لقولهم «ح»، أو الأيدي النعم ردوها بأفواههم جحوداً، أو عبّر بذلك عن ترك قبولهم للحق يقال لمن أمسك عن الجواب: رد يده في فيه. {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (10)} {أَفِى اللَّهِ} أفي توحيده، أو طاعته، {مِّن ذُنُوبِكُمْ} من زائدة، أو يجعل المغفرة بدلاً من ذنوبكم، {وَيُؤَخِّرَكُمْ} إلى الموت فلا يعذبكم في الدنيا. {وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14)} {مَقَامِى} مقامه بين يدي. {وَعِيدِ} عذابي أو زواجر القرآن. {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15)} {وَاسْتَفْتَحُواْ} الرسل بطلب النصر «ع»، أو الكفار استفتحوا بالبلاء. {جَبَّارٍ} متكبر. {عَنِيدٍ} معاند للحق، أو بعيد عنه. {مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16)} {مِّن وَرَآئِهِ} من بعد هلاكه جهنم، أو أمامه جهنم. {يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17)} {مِن كُلِّ مَكَانٍ} من جسده لشدة آلامه، أو يأتيه أسباب الموت عن يمين وشمال وفوق وتحت وقدام وخلف «ع»، أو تأتيه شدائد الموت من كل مكان. {وَمِن وَرَآئِهِ} فيه الوجهان المذكوران. {عَذَابٌ غَلِيظٌ} الخلود في النار. {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18)} {مَّثَلُ} أعمال {الَّذِينَ كَفَرُواْ} في حبوطها وبطلانها وأنه لا يحصل منها على شيء بالرماد المذكور {عَاصِفٍ} شديدة وصف اليوم بالعصوف لوقوعه فيه كما يقال يوم حار ويوم بارد أو أراد عاصف الريح فحذف لتقدم ذكر الريح، أو العصوف من صفة الريح المذكورة فلما جاء بعد اليوم أتبع إعرابه. {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ (21)} {وَبَرَزُواْ لِلَّهِ} ظهروا بين يديه في القيامة، والضعفاء: الأتباع والذين استكبروا: قادتهم. {تَبَعاً} في الكفر {مُّغْنُونَ} دافعون، أغنى عنه دفع عنه الأذى وأغناه أوصل إليه نفع {لَوْ هَدَانَا اللَّهُ} إلى الإيمان لهديناكم إليه، أو إلى الجنة لهديناكم إليها، أو لو نجّانا من العذاب لنجيناكم منه. {مَّحِيصٍ} ملجأ ومنجى يقول بعضهم لبعض: إن قوماً جزعوا وبكوا ففازوا فيجزعون ويبكون، ثم يقولون: إن قوماً صبروا في الدنيا ففازوا فيصبرون فعند ذلك يقولون: {سَوَآءٌ عَلَيْنَآ} الآية. {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)} {وَقَالَ الشَّيْطَانُ} يقوم إبليس خطيباً يوم القيامة فيسمعه الخلائق جميعاً {قُضِىَ الأَمْرُ} بحصول أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار. {وَعْدَ الْحَقِّ} الجنة والنار والبعث والثواب والعقاب. {وَوَعَدتُكُمْ} بأن لا بعث ولا ثواب ولا عقاب {بِمُصْرِخِىَّ} بمنجي أو بمغيثي {إِنِّى كَفَرْتُ} قبلكم {بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ} من بعدي لأن كفره قبل كفرهم. {وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ (23)} {تَحِيَّتُهُمْ} ملكهم دائم السلام، ومنه التحيات لله أي الملك، أو التحية المعرفوة إذا تلاقوا سلموا بها. {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24)} {كَلِمَةً طَيِّبَةً} الإيمان، أو المؤمن {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} النخلة قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، أو شجرة في الجنة «ع» {ثَابِتٌ} في الأرض {وَفَرْعُهَا} نحو السماء. {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25)} {أُكُلَهَا} ثمرها {حِينِ} عبارة عن الوقت في اللغة. يراد بها ها هنا سنة لأنها تحمل في السنة مرة، أو ثمانية أشهر لأنها مدة الحمل ظاهراً وباطناً، أو ستة أشهر لأنها مدة الحمل ظاهراً، أو اربعة أشهر لأنها مدة صلاحها وبروزها من طلعها إلى جذاذها، أو شهرين لأنها مدة صلاحها إلى جفافها، أو غدوة وعيشية لأنه وقت اجتنائها «ع». شبه ثبوت الكلمة في الأرض بثبوت النخلة في الأرض فإذا ظهرت عرجت إلى المساء كما تعلو النخلة نحو السماء فكلما ذكرت نفعت كما أن النخلة إذا أثمرتب نفعت. {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)} {كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ} الكفر، أو الكافر {كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ} الحنظل أو الأكشوث، أو شجرة لم تخلق «ع»، {اجْتُثَّتْ} اقتلعت من أصلها. {قَرَارٍ} ثبوت، أو أصل. شبه الكلمة الخبيثه التي ليس لها أصل يبقى ولا ثمرة حلوة بأنه ليس لها عمل في الأرض يبقى ولا ذكر في السماء يرقى. {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)} {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ} يديمهم على القول الثابت {بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} الشهادتان، أو العمل الصالح {فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} زمن الحياة {وَفِى الآخِرَةِ} عند المساءلة في القبر، أو الحياة الدنيا: مساءلة القبر والآخرة: مسائلة القيامة. {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28)} {الَّذِينَ بَدَّلُواْ} قريش بدلوا نعمة إرسال الرسول صلى الله عليه وسلم منهم كفراً به وجحوداً، أو نزلت في بني أمية وبني مخزوم، فأما بنو أمية فمتعوا إلى حين، وأما بنو مخزوم فأهلكوا يوم بدر، أو هم قادة المشركين يوم بدر. أو جبلة بن الأيهم وتابعوه من العرب الذي لحقوا بالروم «ع» أو عامة في جميع المشركين. {دَارَ الْبَوَارِ} جهنم، أو يوم بدر، والبوار: الهلاك. {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (31)} {سِرّاً وَعَلانِيَةً} خفية وجهرة عند الأكثرين، أو السر: التطوع والعلانية: الفرض. {لاَّ بَيْعٌ} لا فدية في العاصي، ولا شفاعة للكفار، أو لا تُباع الذنوب ولا تُشترى الجنة. {خِلالٌ} مصدر خاللت خلالاً كقاتلت قتالاً، أو جمع خلة كقلة وقلال أي لا مودة بين الكفار لتقاطعهم. {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)} {بَيْتِكَ} الذي لا يملكه غيرك. {الْمُحَرَّمِ}، لأنه يحرم فيه ما يباح في غيره {أَفْئِدَةً} جمع فؤاد وهو القلب، أو جمع وفود. {تَهْوِى} تحن، أو تهواهم، أو تنزل عليهم. طلب ذلك ليميلوا إلى سكناها فتصير بلداً محرماً «ع»، أو ليحجوا قال «ع»: لولا أنه قال: من الناس لحجه اليهود والنصارى وفارس والروم {مِّنَ الثَّمَرَاتِ} أجابه بما في الطائف من الثمار وما يجلب إليهم من الأمصار. {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43)} {مُهْطِعِينَ} مسرعين أهطع إهطاعاً أسرع، أو الدائم النظر لا يطرق، أو المطرق لا يرفع رأسه. {مُقْنِعِى} ناكسي بلغة قريش أو رافعي، إقناعُ الرأسِ رَفعُه {طَرْفُهُمْ} الطرف: النظر وبه سيمت العين لأنه بها بكون {هَوَآءٌ} خالية من الخير «ع»، أو تردد في أجوافهم ليس لها مكان تستقر به فكأنها تهوي، أو زالت عن أماكنها فبلغت الحناجر فلا تنفصل ولا تعود. {وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44)} {زَوَالٍ} عن الدنيا إلى الآخرة، أو زوال عن العذاب. {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)} {مَكْرَهُمْ} الشرك «ع»، أو بالعتو والتجبر، وهي فيمن تجبر في ملكه وصعد مع النسرين في الهواء، قاله علي وابن مسعود رضي الله تعالى عنهما {وَعِندَ الَّلهِ مَكْرُهُمْ} يحفظه ليجازيهم عليه، أو يعلمه فلا يخفى عنه {لِتَزُولَ} وما كان مكرهم لِتزولَ منه الجبال احتقاراً لمكرهم «ع»، {لَتزولُ} وكاد أن يزيلها تعظيماً لمكرهم، والجبال: جبال الأرض، أو الإسلام والقرآن لأنه في ثبوته كالجبال. {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48)} {تُبَدَّلُ الأَرْضُ} بأرض بيضاء كالفضة لم تعمل عليها خطيئة، أو بأرض من فضة بيضاء، أو هي هذه الأرض تبدل صورتها ويطهر دنسها {وَالسَّمَاواتُ} تبدل بغيرها كالأرض فتصير جناناً، والبحار ناراً، أو بجعل السماوات ذهباً والأرض فضة، قاله علي رضي الله تعالى عنه، أو بتناثر نجومها وتكوير شمسها، أو طيها كطي السجل، أو انشقاقها. {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49)} {الأَصْفَادِ} الأغلال، أو القيود والصفد العطاء، لأنه يقيد المودة. {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50)} {سَرَابِيلُهُم} جمع سربال وهو القميص {قَطِرَانٍ} الذي تهنأ به الإبل الإسراع النار إليها، أو النحاس الحامي «ع». {الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ (1)} {الْكِتَابِ} القرآن، أو التوراة والإنجيل. {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2)} {رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ} إذا رأوا المسلمين دخلوا الجنة أن يكونوا أسلموا، ربما ها هنا للتكثير. {مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (5)} {مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ} رسولها وكتابها فتعذب قبلهما، ولا يستأخر الرسول والكتاب عنهم. {مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ (8)} {إِلاَّ بِالْحَقِّ} القرآن، أو الرسالة، أو بالقضاء عند الموت بقبض أرواحهم، أو العذاب إن لم يؤمنوا. {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} {الذِّكْرَ} القرآن، {وَإِنَّا لَهُ} لمحمد صلى الله عليه وسلم {لَحَافِظُونَ} ممن أراده بسوء، أو للقرآن حتى يجزى به يوم القيامة أو بحفظه من زيادة الشيطان فيه باطلاً، أو نقصه منه حقاً. {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10)} {شِيَعِ} أمم، أو القرى، أو جمع شيعة، والشيعة: الفرقة المتآلفة المتفقة الكلمة، مأخوذ من الشياع وهو الحطب الصغار يوقد بها الكبار، فهو عون للنار. {كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12)} {نَسْلُكُهُ} الاستهزاء، أو التكذيب، أو نسلك القرآن في قلوبهم وإن لم يؤمنوا به، أو إذا كذبوا به سلكنا في قلوبهم أن لا يؤمنوا به. {لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (13)} {سُنَّةٌ الأََوَّلِينَ} بالعذاب، أو بألا يؤمنوا برسلهم إذا عاندوا والسنة: الطريقة. {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14)} {يَعْرُجُونَ} المشركون، أو الملائكة وهم يرونهم. {لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15)} {سُكِّرَتْ} سُدت، أو عُميت، أو أّخذت، أو غُشيت وغُطيت، أو حُبست {مَّسْحُورُونَ} سُحرنا فلا نبصر، أو مُعللون، أو مُفسدون. {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16)} {بُرُوجاً} قصوراً فيها الحرس، أو منازل الشمس والقمر، أو الكواكب العظام أي السبعة السيارة، أو النجوم، أو البروج الإثنا عشر، وأصله الظهور برجت المرأة أظهرت محاسنها. {وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17)} {رَّجِيمٍ} ملعون، أو مرجوم بقول أو فعل. {إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (18)} {اسْتَرَقَ السَّمْعَ} بأخبار الأرض دون الوحي فإنه محفوظ منهم. ويسترقون السمع من الملائكة في السماء، أو في الهواء عند نزولهم من السماء {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ} قبل سماعه، أو بعد سماعه فيجرحهم ويحرقهم ويخبلهم ولا يقتل «ع»، أو يقتلهم قبل إلقائه إلى الجن فلا يصل إلى أخبار السماء إلا الأنبياء «ع»، ولذلك انقطعت الكهانة، أو يقتلهم بعد إلقائه إلى الجن ولذلك [ما] يعودون لاستراقه، ولو لم يصل لقطعوا الاستراق. والشهب نجوم يُرجمون بها ثم تعود إلى أماكنها، أو نور يمتد بشدة ضيائه فيحرقهم ولا يعود كما إذا أحرقت النار لم تعد. {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19)} {مَدَدْنَاهَا} بسطناها من مكة لأنها أم القرى {مَّوْزُونٍ} بقدر معلوم عبّر عنه بالوزن، لأنه آلة لمعرفة المقادير، أو أراد الأشياء التي توزن في أسواقها، أو مقسوم، أو معدود. {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20)} {مَعَايِشَ} ملابس، أو التصرف في أسباب الرزق مدة الحياة، أو المطاعم والمشارب التي يعيشون بها. {وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} الدواب والأنعام، أو الوحش. {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)} {وَإِن مِّن شَىْءٍ} من أرزاق الخلق {إِلاَّ عِندَنَا خَزَآئِنُهُ} المطر المنزل من المساء إذ به نبات كل شيء {بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ما عام بأمطر من عام ولكن الله تعالى يقسمه حيث يشاء فيمطر قوماً ويحرم آخرين. {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)} {لَوَاقِحَ} السحاب حتى يمطر، كل الرياح لواقح والجنوب ألقح، أو لواقح للشجر حتى يثمر «ع». {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24)} {الْمُسْتَقْدِمِينَ} الذين خلقوا و{الْمُسْتَئْخِرِينَ} من لم يخلق، أو من مات ومن لم يمت، أو أول الخلق وآخره، أو من تقدم أمة محمد صلى الله عليه وسلم والمستأخر من أمته، أو المستقدمين في الخير والمستأخرين عنه، أو في صفوف الحرب والمستأخرين فيها، كانت امرأة من أحسن الناس تصلي خلف الرسول صلى الله عليه وسلم فيقدم بعضهم لئلا يراها ويتأخر بعضهم إلى الصف المؤخر فإذا ركع نظر إليها من تحت إبطه فنزلت. {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26)} {الإِنسَانَ} آدم عليه الصلاة والسلام {صَلْصَالٍ} طين يابس لم تصبه نار، إذا نُقر صَلَ فسمعت له صلصلة، وهي الصوت الشديد المسموع من غير الحيوان كالقعقعة في الثوب «ع»، أو طين خلط برمل، أو منتن، صل اللحم وأصل أنتن، {حَمَإٍ} جمع حمأة وهي الطين الأسود المتغير {مَّسْنُونٍ} منتن متغير، أو أسن الماء تغير «ع»، أو منصوب قائم من قولهم: وجه مسنون، أو المصبوب، سَنَ الماء على وجهه صبه عليه أو الذي يحك بعضه بعضاً، سننت الحجر بالحجر حككت أحدهما بالآخر ومنه سن الحديد لحكه به، أو الرطب، أو المخلص سن سيفك أي: أجله. {وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27)} {وَالْجَآنَّ} إبليس، أو الجن، أو أبو الجن {مِن قَبْلُ} آدم {نَّارِ السَّمُومِ} لهب النار، أو نار الشمس، أو حر السموم، والسموم الريح الحارة. {إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38)} {الْمَعْلُومِ} عند الله تعالى وحده، أو النفخة الأولى بينها وبين النفخة الثانية أربعون سنة هي مدة موته، وأراد بسؤاله الإنظار أن لا يموت فلم يجبه إلى ذلك، وأنظره إلى النفخة الأولى تعظيماً لبلائه وتعريفاً أنه لا يضر بفعله غير نفسه. ولم يكرمه بتكليمه بل كلمه بذلك على لسان رسول، أو كلمه تغليظاً ووعيداً لا إكراماً وتقريباً. {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39)} {أَغْوَيْتَنِى} أضللتني «ع»، أو خيبتني من رحمتك، أو نسبتني إلى الإغواء. {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40)} {الْمُخْلَصِينَ} لعباداتهم من الفساد والرياء، سأل الحواريون عيسى عليه الصلاة والسلام عن المخلص، فقال: الذي يعمل لله ولا يحب أن يحمده الناس. {قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41)} {هَذَا صِرَاطٌ} يستقيم بصاحبه حتى يهجم به على الجنة «ع»، أو صراط إليَّ «ح»، أو تهديد ووعيد كقولك لمن تتوعده: «على طريقك»، أو هذا صراط على استقامته بالبيان والبرهان. {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آَمِنِينَ (46)} {بِسَلامٍ} بسلامة من النار، أو بسلامة تصحبكم من كل آفة {ءَامِنِينَ} من الخروج منها، أو الموت، أو الخوف والمرض. {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47)} {وَنَزَعْنَا} بالإسلام {مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ} الجاهلية، أو نزعنا في الآخرة ما فيها من غل الدنيا «ح» وروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم {سُرُرٍ} جمع أسرة، أو سرور {مُّتَقَابِلِينَ} بوجوههم لا يصرفون أبصارهم تواصلاً وتحابياً، أو متقابلين بالمحبة والمودة لا يتفاضلون فيها ولا يختلفون، أو متقابلين في المنزلة لا يفضل بعضهم بعضاً لاتفاقهم على الطاعة أو استوائهم في الجزاء، أو متقابلين في الزيارة والتواصل، أو أقبلوا على أزواجهم بالمودة وأقبلن عليهم، قيل نزلت في العشرة، قال علي رضي الله تعالى عنه: إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير منهم. {قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53)} {لا تَوْجَلْ} لا تخف {بِغُلامٍ عَليمٍ} في كبره وهو إسحاق لقوله تعالى {فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ} [هود: 71] {عَلِيمٍ} حليم، أو عالم عند الجمهور. {قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54)} {أَبَشَّرْتُمُونِى} تعجب {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} تعجباً من قولهم، أو استفهم هل بشروه بأمر الله تعالى ليكون أسكن لقلبه. {قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55)} {الْقَانِطِينَ} الآيسين من الولد. {إِلَّا آَلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59)} {ءَالَ لُوطٍ} أتباعه وناصروه. {إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60)} {قَدَّرْنَآ} قضينا، أو كتبنا {الْغَابِرِينَ} الباقين في العذاب، أو الماضين فيه. {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65)} {بِقِطْعٍ مِّنَ الَّيْلِ} ببعضه، أو آخره، أو ظلمته. {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66)} {وَقَضَيْنَآ} أوحينا {دَابِرَ هَؤُلآءِ} آخرهم، أو أصلهم. {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)} {لَعَمْرُكَ} وعيشك «ع»، أو وحياتك «ع»، وما أقسم الله تعالى بحياة غيره، أو وعملك {سَكْرَتِهِمْ} ضلالهم، أو غفلتهم {يَعْمَهُونَ} يترددون «ع»، أو يتمادون، أو يلعبون، أو يمضون. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75)} {لِّلْمُتَوَسِّمِينَ} للمتفرسين، أو المعتبرين، أو المتفكرين، أو الناظرين أو المتبصرين، أو الذي يتوسمون الأمور فيعلمون أن الذي أهلك قوم لوط قادر على أهلاك الكفار. {وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76)} {لَبِسَبِيلٍ} لهلاك «ع»، أو لبطريق مُعْلَم. {وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78)} {لَظَالِمِينَ} بتكذيبهم شعيباً، أرسل إلى مدين فأهلكوا بالصيحة وإلى أصحاب الأيكة فاحترقوا بنار الظلة، الأيكة: الغيضة، أو الشجر الملتف كان أكثر شجرهم الدوم وهو المقل، أو الأيكة اسم البلد وليكة اسم المدينة كبكة من مكة. {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ (79)} {وَإِنَّهُمَا} أصحاب الأيكة وقوم لوط {لَبِإِمَامٍ} لبطريق واضح. سمي الطريق إماماً لأن سالكه يأتم به حتى يصل إلى مقصده، أو لفي كتاب مستبين، سمي إماماً لتقدمه على سائر الكتب، وقال مُؤرج: هو الكتاب بلغة حمير. {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80)} {الْحِجْرِ} الوادي، أو مدينة ثمود، أو أرض بين الشام والحجاز وأصحابه ثمود. {وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آَمِنِينَ (82)} {ءَامِنِينَ} أن تسقط عليهم بيوتهم، أو من خرابها، أو من العذاب، أو الموت. {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)} {الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} الإعراض من غير جزع، أو العفو بغير توبيخ ولا تعنيف، ثم نسخ صفحه عن حق الله تعالى بآية السيف، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: بعد ذلك: «لقد أتيتكم بالذبح وبُعثت بالحصاد ولم أُبعث بالزراعة»، أو أمر بالصفح عنهم في حق نفسه فيما بينه وبينهم.
|